سورة البقرة - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{والذين آمنوا وعملوا الصالحات}. فإن قلت: العمل الصالح خارج عن اسم الإيمان لأنه تعالى قال: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات} فلو دل الإيمان على العمل الصالح لكان ذكر العمل الصالح بعد الإيمان تكراراً. قلت: أجاب بعضهم بأن الإيمان وإن كان يدخل فيه جميع الأعمال الصالحة إلا أن قوله: آمن لا يفيد إلا أنه فعل فعلاً واحداً من أفعال الإيمان فإذا حسن أن يقول: والذين آمنوا وعملوا الصالحات وقيل: إن قوله آمنوا يفيد الماضي وعملوا الصالحات يفيد المستقبل فكأنه تعالى قال آمنوا أولاً ثم داموا عليه آخراً ويدخل فيه جميع الأعمال الصالحات {أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} قوله عز وجل: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل} يعني في التوراة. والميثاق العهد الشديد {لا تعبد ون إلا الله} أي أمر الله تعالى بعبادته فيدخل تحته النهي عن عبادة غيره لأن الله تعالى هو المستحق للعبادة لا غيره {وبالوالدين إحساناً} أي براً بهما ورحمة لهما ونزولاً عند أمرهما فيما لا يخالف أمر الله تعالى ويوصل إليهما ما يحتاجان إليه، ولا يؤذيهما البتة وإن كانا كافرين بل يجب عليه الإحسان إليهما ومن الإحسان إليهما أن يدعوهما إلى الإيمان بالرفق واللين، وكذا إن كانا فاسقين يأمرهما بالمعروف بالرفق، واللين من غير عنف وإنما عطف بر الوالدين بر الوالدين على الأمر بعبادته، لأن شكر المنعم واجب، ولله على عبد ه أعظم النعم لأنه هو الذي خلقه وأوجده بعد العدم فيجب تقديم شكره على شكر، غيره ثم إن للوالدين على الولد نعمة عظيمة، لأنهما السبب في كون الولد ووجوده ثم إن لهما عليه حق التربية أيضاً فيجب شكرهما ثانياً {وذي القربى} أي القرابة لأن حق القرابة تابع لحق الوالدين والإحسان إليهم: إنما هو بواسطة الوالدين فلهذا حسن عطف القرابة على الوالدين {واليتامى} جمع يتيم وهو الذي مات أبوه وهو طفل صغير، فإذا بلغ الحلم زال عنه اليتم وتجب رعاية حقوق اليتيم لثلاثة أمور: لصغرة ويتمه ولخلوه، عمن يقوم بمصلحته إذ لا يقدر هو أن ينتفع بنفسه، ولا يقوم بحوائجه {والمساكين} جمع مسكين وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وإنما تأخرت درجة المساكين عن اليتامى، لأنه قد يمكن أن ينتفع بنفسه وينفع غيره بالخدمة {وقولوا للناس حسناً} فيه وجهان: أحدهما: أنه خطاب للحاضرين من اليهود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فلهذا عدل من الغيبة إلى الحضور، والمعنى قولوا: حقاً وصدقاً في شأن محمد صلى الله عليه وسلم فمن سألكم عنه فأصدقوه وبينوا صفته ولا تكتموها قاله ابن عباس. الوجه الثاني إن المخاطبين به هم الذين كانوا في زمن موس عليه السلام، وأخذ عليهم الميثاق وإنما عدل من الغيبة إلى الحضور على طريق الالتفات كقوله: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} وقيل: فيه حذف تقديره وقلنا لهم: في الميثاق وقولوا: للناس حسناً ومعناه مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر وقيل هو اللين في القول والعشرة وحسن الخلق {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} ولما أمرهم الله تعالى بهذه التكاليف الثمانية لتكون لهم المنزلة عنده بما التزموا به أخبر عنهم أنهم ما وفوا بذلك بقوله تعالى: {ثم توليتم} أي أعرضتم عن العهد {إلا قليلاً منكم} يعني من الذين آمنوا كعبد الله بن سلام وأصحابه فإنهم وفوا بالعهد {وأنتم معرضون} أي كإعراض آبائكم.
قوله عز وجل: {وإذ أخذنا ميثاقكم} قيل: هو خطاب لمن كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود وقيل: هو خطاب لآبائهم وفيه تقريع لهم {لا تسفكون} أي لا تريقون {دماءكم} أي لا يسفك بعضكم دم بعض وقيل: معناه لا تسفكوا دماء غيركم فيسفك دماءكم فكأنكم أنتم سفكتم دماء أنفسكم {ولا تخرجون أنفسكم من دياركم} أي لا يخرج بعضكم بعضاً من داره، وقيل: لا تفعلوا شيئاً فتخرجوا بسببه من دياركم {ثم أقررتم} أي بهذا العهد أنه حق {وأنتم تشهدون} يعني أنتم يا معشر اليهود اليوم تشهدون على ذلك.


{ثم أنتم هؤلاء} يعني يا هؤلاء اليهود {تقتلون أنفسكم} أي يقتل بعضكم بعضاً {وتخرجون فريقاً منكم من دياركم} أي يخرج بعضكم بعضاً من دياركم {تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان} أي تتعاونون عليهم بالمعصية والظلم {وإن يأتوكم اسارى} جمع أسير {تفادوهم} أي بالمال وهو استنقاذهم بالشراء، وقرئ تفادوهم أي تبادلوهم وهو مفاداة الأسير بالأسير، ومعنى الآية أن الله تعالى أخذ على بني إسرائيل في التوراة ان لا يقتل بعضهم بعضاً. ولا خرج بعضهم بعضاً من ديارهم وأيما عبد أو أمة من بني إسرائيل وجدتموه فاشتروه بما قام من ثمنه، وأعتقوه وكانت قريظة حلفاء الأوس والنضير حلفاء الخزرج، وكان بين الأوس والخزرج حروب فكانت بنو النضير تقاتل مع حلفائهم وبنو قريضة تقاتل مع حلفائهم فإذا غلب أحد الفريقين اخرجوهم من ديارهم وخربوها. وكان إذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له مالاً يفدونه به فعيرتهم العرب. وقالوا: كيف تقاتلونهم ثم تفدونهم؟ فقالوا: إنا أمرنا أن نفديهم فقالوا: كيف تقاتلونهم؟ فقالوا: إنا نستحي أن تذل حلفاؤنا فعيرهم الله تعالى فقال: {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} وفي الآية تقديم وتأخير تقديره وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان {وهو محرم عليكم إخراجهم} وإن يأتوكم أسارى تفدوهم فكان الله تعالى أخذ عليهم أربعة عهود ترك القتل وترك الإخراج وترك المظاهر مع أعدائهم وفك أسراهم فأعرضوا عن الكل إلا الفداء قال الله عز وجل: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} معناه إن وجدتموهم في يد غيركم فديتموهم وأنتم تقتلونهم بأيديكم فكان إيمانهم الفداء وكفرهم قتل بعضهم بعضاً فذمهم على مناقضة أفعالهم لا على الفداء لأنهم أتوا ببعض ما وجب عليهم وتركوا البعض {فما جزاء من يفعل ذلك منكم} يعني يا معشر اليهود {إلا خزي في الحياة الدنيا} أي عذاب وهوان فكان خزي بني قريظة القتل والسبي وخزي بني النضير الإجلاء والنفي من منازلهم إلى أريحاء وأذرعات من أرض الشام {ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب} يعني عذاب النار {وما الله بغافل عما تعملون} فيه وعيد وتهديد عظيم.


{أولئك الذين اشتروا} أي استبدلوا {الحياة الدنيا بالآخرة} لأن الجمع بين لذات الدنيا والآخرة غير ممكن فمن اشتغل بتحصيل لذات الدنيا فاتته لذات الآخرة {فلا يخفف عنهم العذاب} أي فلا يهون عليهم {ولا هم ينصرون} أي ولا يمنعون من عذاب الله تعالى. قوله عز وجل: {ولقد آتينا} أي أعطينا {موسى الكتاب} يعني التوراة جملة واحدة {وقفينا} أي وأتبعنا من التقفية وهو أن يقفو أثر الآخر {من بعده بالرسل} يعني رسولاً بعد رسول وكانت الرسل بعد موسى إلى زمن عيسى عليهم السلام متواترة يظهر بعضهم في أثر بعض، والشريعة واحدة: قيل إن الرسل بعد موسى يوشع بن نون وأشمويل وداود وسليمان وأرمياء وحزقيل وإلياس ويونس وزكريا ويحيى وغيرهم، وكانوا يحكمون بشريعة موسى إلى أن بعث الله تعالى عيسى عليه السلام فجاءهم بشريعة جديدة، وغير بعض أحكام التوراة فذلك قوله تعالى: {وآتينا عيسى ابن مريم البينات} اي الدلالات الواضحات وهي المعجزات من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وقيل هي الإنجيل. واسم عيسى بالسريانية أيشرع ومريم بمعنى الخادم وقيل هو اسم علم لها كزيد من الرجال {وأيدناه} أي وقويناه {بروح القدس} قيل: أراد بالروح الذي نفخ فيه والقدس هو الله تعالى وأضاف روح عيسى إليه تشريفاً وتكريماً وتخصيصاً له كما تقول عبد الله وأمة الله وبيت الله وناقة الله وقال ابن عباس هو اسم الله الأعظم الذي كان عيسى يحيي به الموتى وقيل هو الإنجيل لأنه حياة القلوب سماه روحاً كما سمى القرآن روحاً وقيل هو جبريل ووصف بالقدس وهو الطهارة لأنه لم يفترق ذنباً قط وقيل القدس هو الله تعالى والروح جبريل كما تقول عبد الله، سمي جبريل روحاً للطافته لأنه روحاني خلق من النور وقيل سمى روحاً لمكانه من الوحي الذي هو سبب حياة القلوب وحمل روح القدس هنا على جبريل أولى لأنه تعالى قال وأيدناه أي قويناه بجبريل وذلك أنه أمر أن يكون مع عيسى ويسير معه حيث سار فلم يفارقه حتى صعد به إلى السماء فلما سمعت اليهود بذكر عيسى قالوا يا محمد لا مثل عيسى كما تزعم علمت ولا كما يقص علينا من أخبار الأنبياء فعلت فأتنا بما أتى به عيسى إن كنت صادقاً قال الله تعالى: {أفكلما جاءكم} يعني يا معشر اليهود {رسول بما لا تهوى} تقبل {أنفسكم استكبرتم} أي تعظمتم عن الإيمان به {ففريقاً كذبتم} يعني مثل عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم {وفريقاً تقتلون} يعني مثل زكريا ويحيى وسائر من قتلوه، وذلك أن اليهود كانوا إذا جاءهم رسول بما لا يهوون كذبوه فإن تهيأ لهم قتلوه وإنما كانوا كذلك لإرادتهم الدنيا وطلب الرياسة {وقالوا} يعني اليهود {قلوبنا غلف} جمع أغلف وهو الذي عليه غشاوة فلا يعي ولا يفقه.
قال ابن عباس غلف بضم اللام جمع غلاف والمعنى أن قلوبنا أوعية للعلم فلا تحتاج إلى علمك وقيل أوعية من الوعي لا تسمع حديثاً إلى وعته إلا حديثك فإنها لا تعيه ولا تعقله ولو كان خيراً لفهمته ووعته قال الله تعالى: {بل لعنهم الله بكفرهم} أي طردهم وأبعدهم من كل خير. وسبب كفرهم أنهم اعترفوا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ثم إنهم أنكروه وجحدوه فلهذا لعنهم الله تعالى: {فقليلاً ما يؤمنون} أي لم يؤمن منهم إلا قليل لأن من آمن من المشركين كان أكثرهم منهم.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13